فصل: باب الحيض:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. فَصْلٌ: يُتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ طَاهِرٍ:

قَالَ تَعَالَى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} أَيْ تُرَابًا طَاهِرًا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَطَاهِرٌ هُنَا بِمَعْنَى الطَّهُورِ لِمَا سَيَأْتِي فِي نَفْيِ التَّيَمُّمِ بِالْمُسْتَعْمَلِ. (حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ) كَالطِّينِ الْإِرْمَنِيِّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَمِنْ شَأْنِ التُّرَابِ أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ. (وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ) لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ فَهُوَ فِي مَعْنَى التُّرَابِ بِخِلَافِ مَا لَا غُبَارَ فِيهِ (لَا بِمَعْدِنٍ) كَنَوْرَةٍ وَزِرْنِيخٍ بِكَسْرِ الزَّايِ (وَسَحَاقَةِ خَزَفٍ) وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الطِّينِ وَيُشْوَى كَالْكِيزَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى التُّرَابِ. (وَمُخْتَلَطٌ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّ الْخَلِيطَ يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ (وَقِيلَ: إنْ قَلَّ الْخَلِيطُ جَازَ) كَمَا فِي الْمَاءِ (وَلَا بِمُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ) كَالْمَاءِ وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَانِعُ (وَهُوَ) أَيْ الْمُسْتَعْمَلُ (مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ) حَالَةَ التَّيَمُّمِ (وَكَذَا مَا تَنَاثَرَ) بِالْمُثَلَّثَةِ حَالَةَ التَّيَمُّمِ مِنْ الْعُضْوِ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْمُتَقَاطَرِ مِنْ الْمَاءِ، وَالثَّانِي يَقُولُ: التُّرَابُ لِكَثَافَتِهِ يَدْفَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَلَمْ يُعَلِّقْ مَا تَنَاثَرَ مِنْهُ بِالْعُضْوِ بِخِلَافِ الْمَاءِ لِرِقَّتِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ حَصْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيمَا ذُكِرَ جَوَازُ تَيَمُّمِ الْوَاحِدِ وَالْكَثِيرِ مِنْ تُرَابٍ يَسِيرٍ مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ النَّجِسِ، وَهُوَ مَا أَصَابَهُ مَائِعٌ نَجِسٌ وَجَفَّ
(وَيُشْتَرَطُ قَصْدُهُ) أَيْ التُّرَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} أَيْ اقْصِدُوهُ بِأَنْ تَنْقُلُوهُ إلَى الْعُضْوِ (فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ فَرَدَّدَهُ وَنَوَى لَمْ يُجْزِئْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ لِانْتِقَاءِ الْقَصْدِ بِانْتِفَاءِ النَّقْلِ الْمُحَقَّقِ لَهُ، وَقِيلَ: إنْ قَصَدَ بِوُقُوفِهِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ التَّيَمُّمَ أَجْزَأَ مِمَّا ذُكِرَ كَمَا لَوْ بَرَزَ فِي الْوُضُوءِ لِلْمَطَرِ (وَلَوْ يُمِّمَ بِإِذْنِهِ) بِأَنْ نَقَلَ الْمَأْذُونُ التُّرَابَ إلَى الْعُضْوِ وَرَدَّدَهُ عَلَيْهِ وَنَوَى الْآذِنُ (جَازَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرُ إقَامَةٍ لِفِعْلِ مَأْذُونِهِ مَقَامَ فِعْلِهِ (وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ عُذْرٌ) وَلَوْ يُمِّمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يُجْزِئْ كَمَا لَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ.
(وَأَرْكَانُهُ) أَيْ التَّيَمُّمِ (نَقْلُ التُّرَابِ) إلَى الْعُضْوِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ وَفِي ضِمْنِ النَّقْلِ الْوَاجِبِ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي الْقَصْدُ، إنَّمَا صَرَّحُوا بِهِ أَوَّلًا رِعَايَةً لِلَفْظِ الْآيَةِ، عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً اكْتَفَوْا عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ بِالنَّقْلِ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِأَصْرَحَ مِمَّا فِي الْكَبِيرِ. (فَلَوْ نَقَلَ) التُّرَابَ (مِنْ وَجْهٍ إلَى يَدٍ) بِأَنْ حَدَثَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَسْحِهِ (أَوْ عَكَسَ) أَيْ نَقَلَهُ مِنْ يَدٍ إلَى وَجْهٍ (كَفَى فِي الْأَصَحِّ) وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْعُضْوِ وَرَدَّهُ إلَيْهِ يَكْفِي فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي لَا يَكْفِي فِيهِمَا لِأَنَّهُ نَقْلٌ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ كَالنَّقْلِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ بِالِانْفِصَالِ انْقَطَعَ حُكْمُ ذَلِكَ الْعُضْوِ عَنْهُ بِخِلَافِ تَرْدِيدِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الْأَوْلَى لَوْ نَقَلَ مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ إلَى الْأُخْرَى بِخِرْقَةٍ مَثَلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَكْفِي لِأَنَّهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي وَصَحَّحَهُ فِي الْجَوَاهِرِ يَكْفِي لِانْفِصَالِ التُّرَابِ، وَلَوْ تَمَعَّكَ فِي التُّرَابِ بِالْعُضْوِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ قِيلَ لَا يَكْفِي لِعَدَمِ النَّقْلِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي لِأَنَّهُ نَقْلٌ بِالْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ إلَيْهِ، ذَكَرَ التَّعْلِيلَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. (وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ) أَوْ نَحْوِهَا كَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ (لَا رَفْعِ الْحَدَثِ) لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُهُ. (وَلَوْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ لَمْ يَكْفِ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يَكْفِي كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا وَلِذَلِكَ لَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ نَوَى التَّيَمُّمَ لَمْ يَكْفِ جَزْمًا. وَالْكَلَامُ هُنَا فِي النِّيَّةِ الْمُصَحِّحَةِ لِلتَّيَمُّمِ فِي الْجُمْلَةِ وَسَيَأْتِي مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ بِسَبَبِهَا (وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ) أَيْ بِأَوَّلِهِ الْحَاصِلِ بِالضَّرْبِ (وَكَذَا اسْتِدَامَتُهَا إلَى مَسْحِ شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي لَا اكْتِفَاءً بِقَرْنِهَا بِأَوَّلِ الْأَرْكَانِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ أَوَّلَ الْأَرْكَانِ فِي التَّيَمُّمِ مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْوُضُوءِ (فَإِنْ نَوَى) بِالتَّيَمُّمِ (فَرْضًا وَنَفْلًا) أَيْ اسْتِبَاحَتَهُمَا (أُبِيحَا) لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْفَرْضَ فَيَأْتِي بِأَيِّ فَرْضٍ شَاءَ، وَإِنْ عَيَّنَ فَرْضًا جَازَ لَهُ فِعْلُ فَرْضٍ غَيْرِهِ (أَوْ) نَوَى (فَرْضًا فَلَهُ النَّفْلُ) مَعَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) تَبَعًا لَهُ، وَفِي قَوْلٍ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، وَفِي ثَالِثٍ لَهُ النَّفْلُ بَعْدَ فِعْلِ الْفَرْضِ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يَتَقَدَّمُ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ تَحَصَّلَتْ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلَيْنِ فِي النَّقْلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَطَرِيقِينَ فِي الْمُتَأَخِّرِ، أَحَدُهُمَا: فِيهِ الْقَوْلَانِ، وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ (أَوْ) نَوَى (نَفْلًا أَوْ الصَّلَاةَ تَنَفَّلَ) أَيْ فَعَلَ النَّفْلَ (لَا الْفَرْضَ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَصْلٌ لِلنَّفْلِ فَلَا يُجْعَلُ تَابِعًا لَهُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْأَخْذِ بِالْأَحْوَطِ، وَفِي قَوْلٍ لَهُ فِعْلُ الْفَرْضِ فِيهِمَا، أَمَّا فِي الْأُولَى فَكَمَا لَوْ نَوَى بِوُضُوئِهِ اسْتِبَاحَةَ صَلَاةِ النَّفْلِ فَلَهُ فِعْلُ الْفَرْضِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، وَفِي ثَالِثٍ لَهُ فِعْلُ الْفَرْضِ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. وَالْأَقْوَالُ تَحَصَّلَتْ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَطَرِيقُهُ قَاطِعَةٌ فِي الثَّانِيَةِ بِالْجَوَازِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ فِي الْأُولَى بِعَدَمِهِ، وَالرَّافِعِيُّ حَكَى الْخِلَافَ فِي الثَّانِيَةِ وَجْهَيْنِ، وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَلَوْ نَوَى نَافِلَةً مُعَيَّنَةً أَوْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ جَازَ لَهُ فِعْلُ غَيْرِهَا مِنْ النَّوَافِلِ مَعَهَا وَلَهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ لِأَنَّ النَّفْلَ آكَدُ مِنْهَا، فَلَوْ نَوَى مَسَّ الْمُصْحَفِ اسْتَبَاحَهُ دُونَ النَّفْلِ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّب (وَمَسْحُ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ مَعَ مَرْفِقَيْهِ) عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيعَابِ، وَمِمَّا يُغْفَلُ عَنْهُ مَا يُقْبِلُ مِنْ الْأَنْفِ عَلَى الشَّفَةِ، وَعَطَفَ بِثُمَّ لِإِفَادَةِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ (وَلَا يَجِبُ إيصَالُهُ) أَيْ التُّرَابِ (مَنْبَتَ الشَّعَرِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (الْخَفِيفِ) لِعُسْرِهِ (وَلَا تَرْتِيبَ فِي نَقْلِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ) دَفْعَةً وَاحِدَةً (وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ جَازَ) وَالثَّانِي يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي النَّقْلِ كَالْمَسْحِ وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَسْحَ أَصْلٌ وَالنَّقْلَ وَسِيلَةٌ (وَتُنْدَبُ التَّسْمِيَةُ) كَالْوُضُوءِ (وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرْبَتَيْنِ قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِضَرْبَةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ الْوَارِدُ، رَوَى أَبُو دَاوُد«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ مَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ»، وَرَوَى الْحَاكِمُ حَدِيثَ:«التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ نَاعِمًا كَفَى وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ (وَيُقَدِّمُ يَمِينَهُ) عَلَى يَسَارِهِ (وَأَعْلَى وَجْهِهِ) عَلَى أَسْفَلِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ (وَيُخَفِّفُ الْغُبَارَ) مِنْ الْكَفَّيْنِ إنْ كَانَ كَثِيرًا بِأَنْ يَنْفُضَهُمَا أَوْ يَنْفُخَهُ مِنْهُمَا لِئَلَّا يَتَشَوَّهَ بِهِ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ. (وَمُوَالَاةُ التَّيَمُّمِ كَالْوُضُوءِ قُلْت: وَكَذَا الْغُسْلُ) أَيْ مُوَالَاتُهُ كَالْوُضُوءِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ أَيْ تُسَنُّ الْمُوَالَاةُ فِيهِمَا، وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ (وَيُنْدَبُ تَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ كُلِّ ضَرْبَةٍ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إثَارَةِ الْغُبَارِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى الضَّرْبَتَيْنِ (وَيَجِبُ نَزْعُ خَاتَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَحَلِّهِ، وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَمَنْدُوبٌ لِيَكُونَ مَسْحُ جَمِيعِ الْوَجْهِ بِالْيَدِ.
(وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ فَوَجَدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ بَطَلَ) تَيَمُّمُهُ بِالْإِجْمَاعِ (إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ) وُجُودُهُ (بِمَانِعٍ كَعَطَشٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَرَنَ بِمَانِعٍ فَلَا يَبْطُلُ (أَوْ فِي صَلَاةٍ لَا تَسْقُطُ بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ كَصَلَاةِ الْمُقِيمِ (كَمَا سَيَأْتِي) بَطَلَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالثَّانِي لَا بَلْ يُتَمِّمُهَا مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا، وَالْخِلَافُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَجْهَانِ وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْأَصَحِّ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالْمَشْهُورِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ الثَّانِي وَجْهًا، فَمَا هُنَا مُوَافِقٌ لَهُ مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِهِ السَّابِقِ. (وَإِنْ أَسْقَطَهَا) كَصَلَاةِ الْمُسَافِرِ كَمَا سَيَأْتِي (فَلَا) تُبْطِلُ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا (وَقِيلَ يَبْطُلُ النَّفْلُ) لِقُصُورِ حُرْمَتِهِ عَنْ حُرْمَةِ الْفَرْضِ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَطْعَهَا) أَيْ الْفَرِيضَةِ (لِيَتَوَضَّأَ) وَيُصَلِّي بَدَلَهَا (أَفْضَلُ) مِنْ إتْمَامِهَا حَيْثُ وَسِعَ الْوَقْتُ لِذَلِكَ، وَالثَّانِي إتْمَامُهَا أَفْضَلُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ لَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ) فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ إتْمَامِهِمَا لِيُسَلِّمَ عَنْهُمَا، وَيَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ مَا شَاءَ (إلَّا مَنْ نَوَى عَدَدًا فَيُتِمُّهُ) وَإِنْ جَاوَزَ رَكْعَتَيْنِ لِانْعِقَادِ نِيَّتِهِ عَلَيْهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ بِمَا شَاءَ، وَفِي الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْمَنَوِيُّ رَكْعَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا (وَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ) لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ (وَيَتَنَفَّلُ مَا شَاءَ) لِأَنَّ النَّفْلَ لَا يَنْحَصِرُ فَخُفِّفَ فِيهِ (وَالنَّذْرُ) بِالْمُعْجَمَةِ. (كَفَرْضٍ فِي الْأَظْهَرِ) وَالثَّانِي لَا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ مَعَ الْفَرْضِ الْأَصْلِيِّ (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ جَنَائِزَ مَعَ فَرْضٍ) لِشَبَهِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِالنَّفْلِ فِي جَوَازِ التَّرْكِ وَتَعَيُّنُهَا عِنْدَ انْفِرَادِ الْمُكَلَّفِ عَارِضٌ، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْفَرْضُ بِالْفَرْضِ أَشْبَهُ، وَالثَّالِثُ إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ صَحَّتْ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ فَلَا. وَتَصِحُّ أَيْضًا مَعَ نَفْلٍ بِنِيَّتِهِ فِي أَصَحِّ الْأَوْجُهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَعَبَّرَ فِيهِ بِالْجَمْعِ كَمَا هُنَا لِيُفِيدَ الصِّحَّةَ فِي الْمُفْرَدِ الْمُعَبَّرِ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ مَنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ) وَلَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا (كَفَاهُ تَيَمُّمٌ لَهُنَّ) لِأَنَّ الْفَرْضَ وَاحِدٌ وَمَا عَدَاهُ وَسِيلَةٌ لَهُ. وَالثَّانِي يَجِبُ خَمْسَةُ تَيَمُّمَاتٍ لِوُجُوبِ الْخَمْسِ
(وَإِنْ نَسِيَ مُخْتَلِفَتَيْنِ) لَا يَعْلَمُ عَيْنَهُمَا (صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ) مِنْ الْخَمْسِ (بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ مَرَّتَيْنِ وَصَلَّى بِالْأَوَّلِ أَرْبَعًا وَلَاءً) أَيْ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ (وَبِالثَّانِي أَرْبَعًا لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا) أَيْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَيَخْرُجُ عَمَّا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْمَنْسِيَّتَانِ الصُّبْحَ وَالْعِشَاءَ أَوْ إحْدَاهُمَا مَعَ إحْدَى الثَّلَاثِ، أَوْ يَكُونَا مِنْ الثَّلَاثِ. وَعَلَى كُلٍّ صَلَّى كُلًّا مِنْهُمَا بِتَيَمُّمٍ، وَالثَّانِي هُوَ الْمُسْتَحْسَنُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَقَوْلُهُ وَلَاءً مِثَالٌ لَا شَرْطٌ (أَوْ) نَسِيَ (مُتَّفِقَتَيْنِ) لَا يَعْلَمُ عَيْنَهُمَا مِنْ صَلَوَاتِ يَوْمَيْنِ (صَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ) وَفِي الْوَجْهِ السَّابِقِ بِعَشْرِ تَيَمُّمَاتٍ (وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِ فِعْلِهِ) لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَيَدْخُلُ فِي وَقْتِ الْفِعْلِ مَا تُجْمَعُ فِيهِ الثَّانِيَةُ مِنْ وَقْتِ الْأُولَى (وَكَذَا النَّفْلُ الْمُؤَقَّتُ) كَالرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرَائِضِ وَصَلَاةُ الْعِيدِ لَا يَتَيَمَّمُ لَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يَجُوزُ ذَلِكَ تَوْسِعَةً فِي النَّفْلِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَالنَّفْلِ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِانْقِضَاءِ الْغُسْلِ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ كَرَاهَتُهَا قَبْلَ التَّكْفِينِ فَيُكْرَهُ التَّيَمُّمُ لَهَا قَبْلَهُ أَيْضًا، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَالصَّلَاةُ الْمَنْذُورَةُ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ كَالْفَرْضِ الْأَصْلِيِّ، وَالنَّفْلُ الْمُطْلَقُ يُتَيَمَّمُ لَهُ كُلَّ وَقْتٍ أَرَادَهُ إلَّا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ
(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا) كَالْمَحْبُوسِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (لَزِمَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ) لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ (وَيُعِيدَ) إذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا: يُنْدَبُ لَهُ الْفِعْلُ. وَالثَّانِي: يَحْرُمُ وَيُعِيدُ عَلَيْهِمَا. وَالثَّالِثُ: يَجِبُ وَلَا يُعِيدُ. حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَاخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: كُلُّ صَلَاةٍ وَجَبَ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ مَعَ خَلَلٍ لَمْ يَجِبْ قِصَاؤُهَا فِي قَوْلٍ قَالَ بِهِ الْمُزَنِيُّ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ. وَذَكَرَ فِيهِ وَفِي الْفَتَاوَى عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّهُ إنَّمَا يُعِيدُ بِالتَّيَمُّمِ فِي مَوْضِعٍ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِهِ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهَا، وَاحْتُرِزَ بِالْفَرْضِ عَنْ النَّفْلِ، فَلَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ قَطْعًا. (وَيَقْضِي الْمُقِيمُ الْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ) لِنُدُورِ فَقْدِهِ فِي الْإِقَامَةِ وَعَلَى الْمُخْتَارِ السَّابِقِ لَا يَقْضِي (لَا الْمُسَافِرُ) الْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِهِ لِعُمُومِ فَقْدِهِ فِي السَّفَرِ (إلَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ) كَالْآبِقِ فَيَقْضِي (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَا يَقْضِي لِوُجُوبِ تَيَمُّمِهِ كَغَيْرِهِ، وَعُورِضَ بِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ رُخْصَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ فَلْيَتُبْ لِيَصِحَّ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْإِقَامَةِ وَعَدَمِهِ فِي السَّفَرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَلَوْ أَقَامَ فِي مَفَازَةٍ وَطَالَتْ إقَامَتُهُ وَصَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ فَلَا قَضَاءَ، وَلَوْ دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ قَرْيَةً وَعَدِمَ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ.
(وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ) لِنُدُورِ فَقْدِ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ، وَالثَّانِي لَا يَقْضِي مُطْلَقًا، وَيُوَافِقُهُ الْمُخْتَارُ السَّابِقُ. وَالثَّالِثُ يَقْضِي الْحَاضِرُ دُونَ الْمُسَافِرِ (أَوْ) تَيَمَّمَ (لِمَرَضٍ يَمْنَعُ الْمَاءَ مُطْلَقًا) أَيْ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ (أَوْ فِي عُضْوٍ وَلَا سَاتِرَ) بِذَلِكَ مِنْ جَبِيرَةٍ فَأَكْثَرَ مَثَلًا (فَلَا) يَقْضِي لِعُمُومِ الْمَرَضِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ) فَيَقْضِي لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ الْكَثِيرِ فِيمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ كَثِيرٍ. وَقَالَ فِي الدَّقَائِقِ: لَا بُدَّ مِنْهَا، أَيْ فِي مُرَادِ الرَّافِعِيِّ لِلْعَفْوِ عَنْ الْقَلِيلِ فِي مَحَلِّهِ، وَمَا سَيَأْتِي لَهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِدَمِ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ التَّشْبِيهِ عَلَى الْمُنْتَقِلِ عَنْ مَحَلِّهِ، وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ الْعَفْوَ عَنْ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. (وَإِنْ كَانَ) بِالْأَعْضَاءِ أَوْ بَعْضِهَا (سَاتِرٌ) كَجَبِيرَةٍ فَأَكْثَرَ (لَمْ يَقْضِ فِي الْأَظْهَرِ إنْ وَضَعَ) السَّاتِرَ (عَلَى طُهْرٍ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وَقَدْ مَسَحَهُ بِالْمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وُجُوبُهُ شَبِيهٌ بِالْخُفِّ، وَمَاسِحُهُ لَا يَقْضِي.وَالثَّانِي يَقُولُ: مَسَحَهُ لِلْعُذْرِ وَهُوَ نَادِرٌ غَيْرُ دَائِمٍ. (فَإِنْ وَضَعَ) السَّاتِرَ (عَلَى حَدَثٍ وَجَبَ نَزْعُهُ) إنْ أَمْكَنَ بِأَنْ لَا يَخَافَ مِنْهُ ضَرَرًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِيَتَطَهَّرَ فَيَضَعَهُ عَلَى طُهْرٍ فَلَا يَقْضِي كَمَا تَقَدَّمَ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) نَزْعُهُ لِخَوْفِ مَحْذُورٍ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (قَضَى) مَعَ مَسْحِهِ بِالْمَاءِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِانْتِفَاءِ شَبَهِهِ حِينَئِذٍ بِالْخُفِّ. وَالثَّانِي لَا يَقْضِي لِلْعُذْرِ. وَالْخِلَافُ فِي الْقِسْمَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ السَّاتِرُ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ التَّيَمُّمِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَحَلِّهِ قَضَى قَطْعًا لِنَقْصِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالرَّافِعِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَالَ: إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ، انْتَهَى. وَابْنُ الْوَكِيلِ قَالَ: الْخِلَافُ فِي الْقَضَاءِ إذَا لَمْ نَقُلْ يَتَيَمَّمُ، فَإِنْ قُلْنَا يَتَيَمَّمُ وَتَيَمَّمَ فَلَا قَضَاءَ قَطْعًا، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ بِتَعْبِيرِهِ بِالْمَشْهُورِ الْمُشْعِرُ بِضَعْفِ الْخِلَافِ عَنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ كَالشَّرْحِ بِأَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ حَاكِيَةٌ لِلْقَوْلَيْنِ، وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ حِكَايَةُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، الْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ وُضِعَ عَلَى طُهْرٍ فَلَا إعَادَةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ، انْتَهَى. وَعَلَى الْمُخْتَارِ السَّابِقِ لَهُ لَا تَجِبُ.

. باب الحيض:

وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ (أَقَلُّ سِنِّهِ تِسْعُ سِنِينَ) قَمَرِيَّةٍ تَقْرِيبًا، فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ تَمَامِ التِّسْعِ بِمَا لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا فَهُوَ حَيْضٌ، أَوْ بِمَا يَسَعُهُمَا فَلَا. (وَأَقَلُّهُ) زَمَنًا (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) أَيْ قَدْرُ ذَلِكَ مُتَّصِلًا كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةٍ تَأْتِي آخِرَ الْبَابِ. (وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ) يَوْمًا (بِلَيَالِيِهَا) وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ أَخْذًا مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ، وَغَالِبُهُ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ كُلُّ ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ) زَمَنًا (خَمْسَةَ عَشَرَ) يَوْمًا لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَخْلُو عَادَةً عَنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الطُّهْرِ كَذَلِكَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ عَنْ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَقَدَّمَ الْحَيْضُ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَوْ تَأَخَّرَ بِأَنْ رَأَتْ النُّفَسَاءُ أَكْثَرَ النِّفَاسِ وَانْقَطَعَ الدَّمُ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ الطُّهْرِ، وَغَالِبُهُ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ بَعْدَ غَالِبِ الْحَيْضِ (وَيَحْرُمُ بِهِ) أَيْ بِالْحَيْضِ (مَا حَرُمَ بِالْجَنَابَةِ) مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا (وَعَبُورُ الْمَسْجِدِ إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ) بِالْمُثَلَّثَةِ بِالدَّمِ لِغَلَبَتِهِ أَوْ عَدَمِ إحْكَامِهَا الشَّدَّ، فَإِنْ أَمِنَتْ جَازَ لَهَا الْعُبُورُ كَالْجُنُبِ، (وَالصَّوْمُ وَيَجِبَ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا لِلْمَشَقَّةِ فِيهِ بِكَثْرَتِهَا (وَمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا) أَيْ مُبَاشَرَتُهُ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ غَيْرُ الْوَطْءِ) وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ حُرْمَتُهُ فِي حَيْضِ مَمْسُوسَةٍ لِتَضَرُّرِهَا بِطُولِ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ زَمَانَ الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ يَحْرُمْ طَلَاقُهَا لِأَنَّ عِدَّتَهَا إنَّمَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ. (فَإِذَا انْقَطَعَ) أَيْ الْحَيْضُ (لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الْغُسْلِ) مِمَّا حَرُمَ (غَيْرُ الصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ) فَيَحِلَّانِ لِانْتِفَاءِ مَانِعِ الْأَوَّلِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي حَرُمَ لَهُ الثَّانِي، وَلَفْظَةُ الطَّلَاقِ زَادَهَا عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ: إنَّهَا زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ.
(وَالِاسْتِحَاضَةُ) وَهِيَ أَنْ يُجَاوِزَ الدَّمُ أَثَرَ الْحَيْضِ وَيَسْتَمِرَّ (حَدَثٌ دَائِمٌ كَالسَّلَسِ) أَيْ سَلَسِ الْبَوْلِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ (فَلَا تَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ) لِلضَّرُورَةِ، (فَتَغْسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا وَتَعْصِبُهُ) وُجُوبًا بِأَنْ تَشُدَّهُ بَعْدَ حَشْوِهِ مَثَلًا بِخِرْقَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ تُخْرِجُ أَحَدَهُمَا إلَى بَطْنِهَا، وَالْآخَرَ إلَى صُلْبِهَا، وَتَرْبِطُهُمَا بِخِرْقَةٍ تَشُدُّهَا عَلَى وَسَطِهَا كَالتِّكَّةِ، وَإِنْ تَأَذَّتْ بِالشَّدِّ تَرَكَتْهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ قَلِيلًا يَنْدَفِعُ بِالْحَشْوِ فَلَا حَاجَةَ لِلشَّدِّ، وَإِنْ كَانَتْ صَائِمَةً تَرَكَتْ الْحَشْوَ نَهَارًا وَاقْتَصَرَتْ عَلَى الشَّدِّ فِيهِ. (وَتَتَوَضَّأُ وَقْتَ الصَّلَاةِ) كَالْمُتَيَمِّمِ (وَتُبَادِرُ بِهَا) تَقْلِيلًا لِلْحَدَثِ (فَلَوْ أَخَّرْتَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَسِتْرٍ، وَانْتِظَارِ جَمَاعَةٍ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا فَيَضُرُّ عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي لَا يَضُرُّ كَالْمُتَيَمِّمِ (وَيَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرْضٍ) كَالْمُتَيَمِّمِ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ. (وَكَذَا تَجْدِيدُ الْعِصَابَةِ فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ لَمْ تَزُلْ عَنْ مَوْضِعِهَا وَلَا ظَهَرَ الدَّمُ جَوَانِبَهَا قِيَاسًا عَلَى تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا إلَّا إذَا زَالَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا زَوَالًا لَهُ وَقْعٌ، أَوْ ظَهَرَ الدَّمُ بِجَوَانِبِهَا، وَحَيْثُ قِيلَ بِتَجْدِيدِهَا فَتُجَدِّدُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ غَسْلِ الْفَرْجِ وَإِبْدَالِ الْقُطْنَةِ الَّتِي بِفَمِهِ. (وَلَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ وَلَمْ تَعْتَدْ انْقِطَاعَهُ وَعَوْدَهُ أَوْ اعْتَادَتْ) ذَلِكَ (وَوَسِعَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ) بِحَسَبِ الْعَادَةِ (وُضُوءًا وَالصَّلَاةَ) بِأَقَلَّ مَا يُمْكِنُ (وَجَبَ الْوُضُوءُ) أَمَّا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى فَلِاحْتِمَالِ الشِّفَاءِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ عَوْدِ الدَّمِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِإِمْكَانِ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ مِنْ غَيْرِ مُقَارَنَةِ حَدَثٍ، فَلَوْ عَادَ الدَّمُ قَبْلَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فِي الْحَالَتَيْنِ فَوَضْؤُهَا بَاقٍ بِحَالِهِ تُصَلِّي بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَسَعْ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ إعَادَةَ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ صَلَّتْ بِوُضُوئِهَا، فَلَوْ امْتَدَّ الزَّمَنُ بِحَيْثُ يَسَعُ مَا ذُكِرَ وَقَدْ صَلَّتْ بِوُضُوئِهَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ.

. فَصْلٌ: [مدة الحيض]

إذَا (رَأَتْ) دَمًا (لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلُّهُ) فَأَكْثَرُ (وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرُهُ) أَيْ لَمْ يُجَاوِزْهُ (فَكُلُّهُ حَيْضٌ) أَسْوَدَ كَانَ أَوْ أَحْمَرَ أَوْ أَشْقَرَ مُبْتَدَأَةً كَانَتْ أَوْ مُعْتَادَةً تَغَيَّرَتْ عَادَتُهَا أَوْ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ طُهْرٍ كَأَنْ رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ، فَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ دَمُ فَسَادٍ لَا حَيْضٌ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُفَرَّقًا (وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (حَيْضٌ فِي الْأَصَحِّ) مُطْلَقًا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ الْمُعْتَادِ إلَّا فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ فَهُوَ فِيهَا حَيْضٌ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا فِي غَيْرِهَا تَقَدُّمُ دَمٍ قَوِيٍّ مِنْ سَوَادٍ أَوْ حُمْرَةٍ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: وَتَأَخُّرُهُ عَنْهُ وَعَلَى هَذَيْنِ يَكْفِي أَيُّ قَدْرٍ مِنْ الْقَوِيِّ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ. وَحِكَايَةُ وَجْهٍ فِي الْوَاقِعِ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ بِاشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ دَمٍ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ عَلَيْهِ مُعْتَرِضًا بِذَلِكَ عَلَى الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فِي نَفْيِهِمْ الْخِلَافَ فِيهِ (فَإِنْ عَبَرَهُ) أَيْ عَبَرَ الدَّمُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ أَيْ جَاوَزَهُ (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ مَنْ عَبَرَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ (مُبْتَدَأَةً) أَيْ أَوَّلَ مَا ابْتَدَأَهَا الدَّمُ (مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى قَوِيًّا وَضَعِيفًا) بِشُرُوطِهِمَا الْآتِيَةِ كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ، فَهُوَ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَسْوَدِ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَشْقَرِ وَالْأَشْقَرُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْفَرِ، وَمِنْ الْأَكْدَرِ إذَا جُعِلَا حَيْضًا، وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَقْوَى مِمَّا لَا رَائِحَةَ لَهُ وَالثَّخِينُ أَقْوَى مِنْ الرَّقِيقِ، فَالْمُنْتِنُ أَوْ الثَّخِينُ مِنْ الْأَسْوَدَيْنِ مَثَلًا أَقْوَاهُمَا، وَالْمُنْتِنُ الثَّخِينُ مِنْهُمَا أَقْوَى مِنْ الْمُنْتِنِ أَوْ الثَّخِينِ (فَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَةٌ وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ إنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ وَلَا عَبَرَ أَكْثَرُهُ وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ) بِأَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُتَّصِلَةً فَأَكْثَرَ تَقَدَّمَ الْقَوِيُّ عَلَيْهِ أَوْ تَأَخَّرَ أَوْ تَوَسَّطَ كَأَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَحْمَرَ، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدَ، أَوْ خَمْسَةً أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ بَاقِيَ الشَّهْرِ أَحْمَرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمَيْنِ أَحْمَرَ. وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِعَدَمِ اتِّصَالِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الضَّعِيفِ فَهِيَ فَاقِدَةٌ شَرْطَ تَمْيِيزٍ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا، وَفِي وَجْهٍ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّ خَمْسَةَ الْأَحْمَرِ مَعَ خَمْسَةِ الْأَسْوَدِ حَيْضٌ (أَوْ مُبْتَدَأَةً لَا مُمَيِّزَةً بِأَنْ رَأَتْهُ بِصِفَةٍ أَوْ) بِصِفَتَيْنِ مَثَلًا لَكِنْ (فَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ) مِنْ شُرُوطِهِ السَّابِقَةِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَطُهْرَهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) بَقِيَّةُ الشَّهْرِ. وَالثَّانِي تُحَيَّضُ غَالِبَ الْحَيْضِ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، وَقِيلَ: تَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَالْأَصَحُّ النَّظَرُ إلَى عَادَةِ النِّسَاءِ إنْ كَانَتْ سِتَّةً فَسِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةً فَسَبْعَةٌ، وَبَقِيَّةُ الشَّهْرِ طُهْرُهَا. وَالْعِبْرَةُ بِنِسَاءِ عَشِيرَتِهَا مِنْ الْأَبَوَيْنِ، وَقِيلَ: بِنِسَاءِ عَصَبَاتِهَا خَاصَّةً، وَقِيلَ: بِنِسَاءِ بَلَدِهَا وَنَاحِيَتِهَا، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَمَعْنَى مِنْ الْأَبَوَيْنِ، بِقَرِينَةِ الثَّانِي الْمُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ مَا فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ مِنْ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ (أَوْ مُعْتَادَةٌ بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ) وَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ (فَتُرَدُّ إلَيْهِمَا قَدْرًا وَوَقْتًا) بِأَنْ كَانَتْ حَافِظَةً لِذَلِكَ. (وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ) الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ (بِمَرَّةٍ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِابْتِدَاءِ، وَالثَّانِي بِمَرَّتَيْنِ لِأَنَّهَا مِنْ الْعَوْدِ، فَمَنْ حَاضَتْ خَمْسَةً فِي شَهْرٍ ثُمَّ سِتَّةً فِي آخَرَ، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ عَلَى الثَّانِي لِتَكَرُّرِهَا وَإِلَى السِّتَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَمَنْ حَاضَتْ خَمْسَةً ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَيْهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَهِيَ كَمُبْتَدَأَةٍ عَلَى الثَّانِي، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُهَذَّبِ
(وَيُحْكَمُ لِلْمُعْتَادَةِ الْمُمَيِّزَةِ بِالتَّمْيِيزِ لَا الْعَادَةِ) الْمُخَالِفَةِ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهَا بِظُهُورِهِ، وَالثَّانِي يُحْكَمُ بِالْعَادَةِ، فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَبَقِيَّتُهُ طُهْرٌ فَرَأَتْ عَشَرَةً أَسْوَدَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَبَقِيَّتَهُ أَحْمَرَ حُكِمَ بِأَنَّ حَيْضَهَا الْعَشَرَةُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْهَا عَلَى الثَّانِي، وَالْبَاقِي عَلَيْهِمَا طُهْرٌ (أَوْ) كَانَتْ (مُتَحَيِّرَةً بِأَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا) وَلَا تَمْيِيزَ (فَفِي قَوْلٍ كَمُبْتَدَأَةٍ) غَيْرِ مُمَيِّزَةٍ فَتُحَيَّضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَطُهْرُهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ عَلَى الْأَظْهَرِ السَّابِقِ (وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الِاحْتِيَاطِ) وَلَيْسَتْ كَالْمُبْتَدَأَةِ لِاحْتِمَالِ كُلِّ زَمَنٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ. (فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ (وَتُصَلِّي الْفَرَائِضَ أَبَدًا) لِاحْتِمَالِ الطُّهْرِ. (وَكَذَا النَّفْلُ فِي الْأَصَحِّ) اهْتِمَامًا بِهِ وَالثَّانِي يَقُولُ: لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ (وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ) بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الدَّمِ حِينَئِذٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ: فَإِنْ عَلِمَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِهِ كَعِنْدَ الْغُرُوبِ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كُلَّ يَوْمٍ عَقِبَ الْغُرُوبِ وَتُصَلِّي بِهِ الْمَغْرِبَ، وَتَتَوَضَّأُ لِبَاقِي الصَّلَوَاتِ، لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ عِنْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَا سِوَاهُ. (وَتَصُومُ رَمَضَانَ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً جَمِيعَهُ (ثُمَّ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ) بِأَنْ يَكُونَ رَمَضَانُ ثَلَاثِينَ، وَتَأْتِي بَعْدَهُ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً (فَيَحْصُلُ) لَهَا (مِنْ كُلٍّ) مِنْهُمَا (أَرْبَعَةَ عَشَرَ) يَوْمًا، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَحِيضَ فِيهِمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَيَطْرَأَ الدَّمُ فِي يَوْمٍ، وَيَنْقَطِعَ فِي آخَرَ فَتَفْسُدَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا حَصَلَ لَهَا مِنْهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا. (ثُمَّ تَصُومُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) يَوْمًا (ثَلَاثَةً أَوَّلَهَا وَثَلَاثَةً آخِرَهَا فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ الْبَاقِيَانِ) لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ طَرَأَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ صَوْمِهَا فَغَايَتُهُ أَنْ يَنْقَطِعَ فِي السَّادِسَ عَشَرَ، فَيَصِحَّ لَهَا الْيَوْمَانِ الْأَخِيرَانِ. وَإِنْ طَرَأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي صَحَّ لَهَا الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ، أَوْ فِي الثَّالِثِ صَحَّ لَهَا الْأَوَّلَانِ، أَوْ فِي السَّادِسَ عَشَرَ صَحَّ لَهَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ، أَوْ فِي السَّابِعَ عَشَرَ صَحَّ السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ، أَوْ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ صَحَّ السَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ. (وَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ ثُمَّ الثَّالِثِ وَالسَّابِعَ عَشَرَ) مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ طَرَأَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ سَلِمَ السَّابِعَ عَشَرَ أَوْ فِي الثَّالِثِ سَلِمَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ آخِرُ الْحَيْضِ الْأَوَّلَ سَلِمَ الثَّالِثُ، أَوْ الثَّالِثَ سَلِمَ السَّابِعَ عَشَرَ. (وَإِنْ حَفِظَتْ شَيْئًا) مِنْ عَادَتِهَا دُونَ شَيْءٍ كَأَنْ حَفِظَتْ الْوَقْتَ دُونَ الْقَدْرِ أَوْ عَكْسَ ذَلِكَ (فَلِلْيَقِينِ) مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ (حُكْمُهُ وَهِيَ فِي الْمُحْتَمَلِ) لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ (كَحَائِضٍ فِي الْوَطْءِ وَطَاهِرٍ فِي الْعِبَادَةِ وَإِنْ احْتَمَلَ انْقِطَاعًا وَجَبَ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ) احْتِيَاطًا، وَيُسَمَّى مُحْتَمَلُ الِانْقِطَاعِ طُهْرًا مَشْكُوكًا فِيهِ وَاَلَّذِي لَا يَحْتَمِلُهُ حَيْضًا مَشْكُوكًا فِيهِ. وَالْحَافِظَةُ لِلْوَقْتِ كَأَنْ تَقُولَ كَانَ حَيْضِي يَبْتَدِئُ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَنِصْفُهُ الثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِينٍ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالِانْقِطَاعَ. وَالْحَافِظَةُ لِلْقَدْرِ كَأَنْ تَقُولَ حَيْضِي خَمْسَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ الشَّهْرِ لَا أَعْلَمُ ابْتِدَاءَهَا وَأَعْلَمُ أَنِّي فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ طَاهِرٌ، فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ كَالْعِشْرِينِ الْأَخِيرِينَ، وَالثَّانِي إلَى آخِرِ الْخَامِسِ مُحْتَمَلٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالسَّابِعُ إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ مُحْتَمَلٌ لِلِانْقِطَاعِ أَيْضًا.
(وَالْأَظْهَرُ أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ وَالنَّقَاءَ بَيْنَ) دِمَاءِ (أَقَلِّ الْحَيْضِ) فَأَكْثَرَ (حَيْضٌ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ بِصِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ، وَمُقَابِلُهُ فِيهَا يَقُولُ: هُوَ دَمُ فَسَادٍ إذْ الْحَمْلُ يَسُدُّ مَخْرَجَ دَمِ الْحَيْضِ. وَسَوَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ تَخَلَّلَ بَيْنَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَالْوِلَادَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَمْ أَقَلُّ، وَقِيلَ، فِي تَخَلُّلِ الْأَقَلِّ لَيْسَ بِحَيْضٍ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَنْ تَرَى وَقْتًا دَمًا وَوَقْتًا نَقَاءً وَهَكَذَا، وَلَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَمْ تَنْقُصْ الدِّمَاءُ عَنْ قَلِّ الْحَيْضِ فَهِيَ حَيْضٌ. وَالنَّقَاءُ بَيْنَهُمَا حَيْضٌ فِي الْأَظْهَرِ تَبَعًا لَهَا. وَالثَّانِي يَقُولُ: هُوَ طُهْرٌ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ وَنَحْوِهَا دُونَ الْعِدَّةِ وَالطَّلَاقِ. وَالنَّقَاءُ بَعْدَ آخِرِ الدِّمَاءِ طُهْرٌ قَطْعًا، وَإِنْ نَقَصَتْ الدِّمَاءُ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ فِيهِ دَمُ فَسَادٍ، وَإِنْ زَادَتْ مَعَ النَّقَاءِ بَيْنَهَا عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهِيَ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ.
(وَأَقَلُّ النِّفَاسِ) أَيْ الدَّمِ الَّذِي أَوَّلُهُ يَعْقُبُ الْوِلَادَةَ (لَحْظَةٌ وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ) يَوْمًا (وَغَالِبُهُ أَرْبَعُونَ) يَوْمًا فِيمَا اسْتَقْرَأَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَبَّرَ بَدَلَ اللَّحْظَةِ فِي التَّحْقِيقِ كَالتَّنْبِيهِ بِالْمَجَّةِ أَيْ الدَّفْعَةِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ بِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ، أَيْ لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ مَا وُجِدَ مِنْهُ، وَإِنْ قَلَّ يَكُونُ نِفَاسًا، وَلَا يُوجَدُ أَقَلُّ مِنْ مَجَّةٍ، وَيُعَبَّرُ عَنْ زَمَانِهَا بِاللَّحْظَةِ، فَالْمُرَادُ مِنْ الْعِبَارَاتِ وَاحِدٌ.
(وَيَحْرُمُ بِهِ مَا حَرُمَ بِالْحَيْضِ) قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ حُرْمَةُ الطَّلَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِهِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا. (وَعُبُورُهُ سِتِّينَ) يَوْمًا (كَعُبُورِهِ) أَيْ الْحَيْضِ (أَكْثَرَهُ) فَيُنْظَرُ أَمُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ أَمْ مُعْتَادَةٌ، مُمَيِّزَةٌ أَمْ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ وَيُقَاسُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ، فَتُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ الْمُمَيِّزَةُ إلَى التَّمْيِيزِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى سِتِّينَ يَوْمًا، وَلَا ضَبْطَ فِي الضَّعِيفِ. وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ إلَى لَحْظَةٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ إلَى التَّمْيِيزِ لَا الْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ الْحَافِظَةِ إلَى الْعَادَةِ، وَتَثْبُتُ بِمَرَّةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَالنَّاسِيَةُ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ فِي قَوْلٍ، وَتَحْتَاطُ فِي الْآخَرِ الْأَظْهَرِ فِي التَّحْقِيقِ.

. كتاب الصلاة:

(الْمَكْتُوبَاتُ) أَيْ الْمَفْرُوضَاتُ مِنْهَا كُلُّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (خَمْسٌ) كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ»,«وَقَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِيِّ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ»,«وَلِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ».
(الظُّهْرُ وَأَوَّلُ وَقْتِهِ زَوَالُ الشَّمْسِ) أَيْ وَقْتِ زَوَالِهَا، وَعِبَارَةُ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالزَّوَالِ، (وَآخِرُهُ مَصِيرُ) أَيْ وَقْتُ مَصِيرِ (ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ) أَيْ الظِّلِّ الْمَوْجُودِ عِنْدَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ وَقَعَ لِكُلِّ شَاخِصٍ ظِلٌّ طَوِيلٌ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يَنْقُصُ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى وَسَطِ السَّمَاءِ، وَهِيَ حَالَةُ الِاسْتِوَاءِ، وَيَبْقَى حِينَئِذٍ ظِلٌّ فِي غَالِبِ الْبِلَادِ، ثُمَّ تَمِيلُ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ فَيَتَحَوَّلُ الظِّلُّ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَذَلِكَ الْمَيْلُ هُوَ الزَّوَالُ، وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ حَدِيثُ«أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ أَيْ الشَّيْءِ مِثْلَهُ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَالْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ أَيْ الشَّيْءِ مِثْلَهُ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَالْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَالْفَجْرَ فَأَسْفَرَ وَقَالَ: الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ:«صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ» أَيْ فَرَغَ مِنْهَا حِينَئِذٍ كَمَا شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَافِيًا بِهِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي وَقْتٍ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ«وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ». وَقَوْلُهُ:«حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» أَيْ حِينَ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ«إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ».
(وَهُوَ) أَيْ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ (أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ) وَعِبَارَةُ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ: وَبِهِ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ (وَيَبْقَى) وَقْتُهُ (حَتَّى تَغْرُبَ) الشَّمْسُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ«وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ«وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ» وَإِسْنَادُهُ فِي مُسْلِمٍ. (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا نُؤَخِّرَ) بالفوقانية (عَنْ) وَقْتِ (مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْنِ) بَعْدَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ، وَقَوْلِهِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا:«الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَبَعْدَهُ وَقْتُ جَوَازٍ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، ثُمَّ وَقْتُ كَرَاهَةٍ أَيْ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَيْهِ.
(وَالْمَغْرِبُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِالْغُرُوبِ وَيَبْقَى حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فِي الْقَدِيمِ) كَمَا سَيَأْتِي. وَاحْتَرَزَ بِالْأَحْمَرِ عَمَّا بَعْدَهُ مِنْ الْأَصْفَرِ ثُمَّ الْأَبْيَضِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّرِ لِانْصِرَافِ الِاسْمِ إلَيْهِ لُغَةً. (وَفِي الْجَدِيدِ يَنْقَضِي بِمُضِيِّ قَدْرِ) زَمَنِ (وُضُوءٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ) لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَلِلْحَاجَةِ إلَى فِعْلِ مَا ذَكَرَ مَعَهَا اعْتَبَرَ مُضِيَّ قَدْرِ زَمَنِهِ، وَالِاعْتِبَارُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ، وَسَيَأْتِي سَنُّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فِي وَجْهٍ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ اعْتِبَارُ سَبْعِ رَكَعَاتٍ: (وَلَوْ شَرَعَ) فِيهَا (فِي الْوَقْتِ) عَلَى الْجَدِيدِ (وَمَدَّ) بِالتَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا (حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ) مِنْ الْخِلَافِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَعْضِهَا عَنْ وَقْتِهَا مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَدَاءٌ كَمَا سَيَأْتِي وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ، وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا»، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ، وَقِرَاءَتُهُ لَهَا تَقْرُبُ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ لِتَدَبُّرِهِ وَمَدِّهِ فِي الصَّلَاةِ إلَى ذَلِكَ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِهَا إلَيْهِ، وَعَلَى عَدَمِ امْتِدَادِهِ إلَيْهِ. وَبَنَاهُ قَائِلُ الثَّانِي عَلَى الِامْتِدَادِ فَقَطْ (قُلْت: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَرَجَّحَهُ طَائِفَةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بَلْ هُوَ جَدِيدٌ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ فِيهَا أَحَادِيثُ مِنْهَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ.
(وَالْعِشَاءُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِمَغِيبِ الشَّفَقِ) أَيْ الْأَحْمَرِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ. (وَيَبْقَى إلَى الْفَجْرِ) أَيْ الصَّادِقِ وَسَيَأْتِي لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ«لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ وَإِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي امْتِدَادَ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْأُخْرَى مِنْ الْخَمْسِ، أَيْ غَيْرِ الصُّبْحِ لِمَا سَيَأْتِي فِي وَقْتِهَا (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. (وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ) لِحَدِيثِ«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا الْقَوْلَ، وَكَلَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ.
(وَالصُّبْحُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ، وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِالْأُفُقِ) أَيْ نَوَاحِي السَّمَاءِ بِخِلَافِ الْكَاذِبِ، وَهُوَ يَطْلُعُ قَبْلَ الصَّادِقِ مُسْتَطِيلًا، ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ (وَيَبْقَى) الْوَقْتُ (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ«وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» وَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ«مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ». (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخِّرَ عَنْ الْإِسْفَارِ) لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ وَقَوْلِهِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا«الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. (قُلْت: يُكْرَهُ) تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً وَالْعِشَاءِ عَتَمَةً لِلنَّهْيِ عَنْ الْأَوَّلِ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ«لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ» وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ، وَعَنْ الثَّانِي فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ«لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا إنَّهَا الْعِشَاءُ» وَهُمْ يَعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ بِحِلَابِ الْإِبِلِ. قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِكَوْنِهِمْ يَعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ إلَى شِدَّةِ الظَّلَامِ. (وَالنَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْعِشَاءِ (وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُهُمَا، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ. (إلَّا فِي خَيْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَمُذَاكَرَةِ الْفِقْهِ وَإِينَاسِ الضَّيْفِ، وَلَا يُكْرَهُ الْحَدِيثُ لِحَاجَةٍ.
(وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ:«الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيَّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ لِوَقْتِهَا، فَيَشْتَغِلُ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِأَسْبَابِهَا كَالطَّهَارَةِ وَالسَّتْرِ وَنَحْوِهِمَا إلَى أَنْ يَفْعَلَهَا، وَسَوَاءٌ الْعِشَاءُ وَغَيْرُهَا (وَفِي قَوْلٍ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ أَفْضَلُ) أَيْ مَا لَمْ يُجَاوِزْ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ، وَجَوَابُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّ تَقْدِيمَهَا هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ) إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ«أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ«بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» أَيْ هَيَجَانِهَا. وَفِي اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالْجُمُعَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبْرِدُ بِالْجُمُعَةِ، وَأَصَحُّهُمَا لَا لِشِدَّةِ الْخَطَرِ فِي فَوَاتِهَا الْمُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِهَا بِالتَّكَاسُلِ، وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِبَلَدٍ حَارٍّ وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ) وَلَا ظِلَّ فِي طَرِيقِهِمْ إلَيْهِ، فَلَا يُسَنُّ فِي بَلَدٍ مُعْتَدِلٍ، وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا، وَلَا لِجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ، وَلَا لِمَنْ كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ قَرِيبَةً مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَا لِمَنْ يَمْشُونَ إلَيْهِ مِنْ بُعْدٍ فِي ظِلٍّ. وَالثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ فَيُسَنُّ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. وَذِكْرُ الْمَسْجِدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَمِثْلُهُ الرِّبَاطُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَةِ.
(وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ) وَبَعْضُهَا خَارِجَهُ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ) فِي الْوَقْتِ (رَكْعَةٌ) فَأَكْثَرَ (فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ إلَّا) بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَكْعَةٍ (فَقَضَاءٌ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ«مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» أَيْ مُؤَدَّاةً، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مُؤَدَّاةً. وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّكْعَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ إذْ مُعْظَمُ الْبَاقِي كَالتَّكْرِيرِ لَهَا، فَجَعَلَ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَابِعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا دُونَهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمِيعَ أَدَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا فِي الْوَقْتِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَضَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا بَعْدَ الْوَقْتِ. وَالرَّابِعُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَعَلَى الْقَضَاءِ يَأْثَمُ الْمُصَلِّي بِالتَّأْخِيرِ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا عَلَى الْأَدَاءِ نَظَرًا لِلتَّحْقِيقِ، وَقِيلَ لَا نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ لِمُسْتَنِدٍ إلَى الْحَدِيثِ.
(وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ) لِغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (اجْتَهَدَ بِوِرْدٍ وَنَحْوِهِ) كَخِيَاطَةٍ وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى الصَّبْرِ إلَى الْيَقِينِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ، فَقَوْلُهُ: اجْتَهَدَ، أَيْ جَوَازًا إنْ قَدَرَ وَوُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ، وَسَوَاءٌ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى (فَإِنْ تَيَقَّنَ صَلَاتَهُ) بِالِاجْتِهَادِ (قَبْلَ الْوَقْتِ) وَعَلِمَ بَعْدَهُ (قَضَى فِي الْأَظْهَرِ) وَالثَّانِي لَا اعْتِبَارًا بِظَنِّهِ، فَإِنْ عَلِمَ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ أَيْ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِأَنْ تَيَقَّنَهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ (فَلَا) يَقْضِي (وَيُبَادِرُ بِالْفَائِتِ) وُجُوبًا إنْ فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَنَدْبًا إنْ فَاتَ بِعُذْرٍ كَالنَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ مُسَارَعَةً إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ.
(وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ) كَأَنْ يَقْضِيَ الصُّبْحَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالظُّهْرَ قَبْلَ الْعَصْرِ. (وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يَخَافُ فَوْتَهَا) مُحَاكَاةً لِلْأَدَاءِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا بَدَأَ بِهَا وُجُوبًا لِئَلَّا تَصِيرَ فَائِتَةً. (وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ. (وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ وَ) بَعْدَ (الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الرُّمْحِ وَهُوَ تَقْرِيبٌ. وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ، وَعِنْدَ الِاصْفِرَارِ حَتَّى تَغْرُبَ، أَيْ لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الرُّمْحِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ مَعَ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّ ذِكْرَهُ أَجْوَدُ رِعَايَةً لِلِاخْتِصَارِ، فَإِنَّهُ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ أَيْ لِمَنْ صَلَّى مِنْ حِينِ صَلَاتِهِ، وَلِمَنْ لَمْ يُصَلِّ مِنْ الطُّلُوعِ وَالِاصْفِرَارِ، وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: رُبَّمَا انْقَسَمَ الْوَقْتُ الْوَاحِدُ إلَى مُتَعَلِّقٍ بِالْفِعْلِ وَإِلَى مُتَعَلِّقٍ بِالزَّمَانِ (إلَّا) صَلَاةً (لِسَبَبٍ كَفَائِتَةٍ) فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ صَلَاةِ جِنَازَةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (وَ) صَلَاةِ (كُسُوفٍ وَتَحِيَّةٍ) لِلْمَسْجِدِ (وَسَجْدَةِ شُكْرٍ) أَوْ تِلَاوَةٍ، فَلَا تُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَهُ رَكْعَتَا سُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي بَعْدَهُ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَقِيسَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ عَلَيْهِ فِي الْفِعْلِ وَالْوَقْتِ، وَحُمِلَ النَّهْيُ عَلَى صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا، وَهِيَ النَّافِلَةُ الْمُطْلَقَةُ، وَكَرَاهَتُهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي النَّهْيِ، وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا لَمْ تَنْعَقِدْ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَقِيلَ تَنْعَقِدُ كَالصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ وَأُدْرِجَتْ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ لِشَبَهِهَا بِهَا فِي الشُّرُوطِ وَالْأَحْكَامِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا: لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ فَوَجْهَانِ أَقْيَسُهُمَا الْكَرَاهَةُ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْفَائِتَةَ لِيَقْضِيَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. وَلَا تُكْرَهُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَالثَّانِي يَنْظُرُ إلَى أَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ، وَتُكْرَهُ رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ السَّبَبُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ لَا يُوجَدُ. وَالثَّانِي يَقُولُ: السَّبَبُ إرَادَتُهُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَسَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَنَّ وَقْتَهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ ذَوَاتِ السَّبَبِ، أَيْ وَهُوَ فِي حَقِّهَا دُخُولُ وَقْتِهَا، وَمِثْلُهَا صَلَاةُ الضُّحَى عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَنَّ وَقْتَهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا تُكْرَهَانِ قَبْلَ ارْتِفَاعِهَا، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهُمَا إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَإِلَّا) صَلَاةً (فِي حَرَمِ مَكَّةَ) الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ لَا سَبَبَ لَهَا فَلَا تُكْرَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِحَدِيثِ«يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالثَّانِي تُكْرَهُ فِيهِ كَغَيْرِهِ. قَالَ: وَالصَّلَاةُ فِي الْحَدِيثِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَلَهَا سَبَبٌ.